عدد المساهمات : 635 تاريخ التسجيل : 05/01/2012 العمر : 29 الموقع : https://cougar.hooxs.com
موضوع: فضائل القران الكريم الخميس فبراير 23, 2012 9:26 pm
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبـعـد: فهذه كلمات نفيسة جمعت، وأزهار عطيرة اقتطفت، وفوائد لطيفة اختصرت من كلام الله تعالى ومن كلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وكلام أهل العلم فيما يهم كل مسلم نحو كتاب ربه الذي أنزله على خير خلقه وخاتم أنبيائه لهداية البشر وإخراجهم من الظلمات إلى النور قال تعالى: قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [المائدة: 15، 16]. أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن ينفع بها من قرأها أو كتبها أو نظر فيها أو سمعها، وأن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا وغمومنا وقائدنا وسائقنا إلى جنات النعيم، وأن يذكرنا منه ما نسينا، وأن يعلمنا منه ما جهلنا، وأن يرزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيه عنا، وأن يجعله حجة لنا لا حجة علينا، وأن يجعلنا ممن يحل حلاله ويحرم حرامه ويعمل بمحكمه ويؤمن بمتشابهه ويتلوه حق تلاوته، وأن يجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهله وخاصته وهو أرحم الراحمين. فيا شباب الإسلام ويا أمة القرآن ويا أتباع محمد ويا خير أمة أخرجت للناس عليكم بقراءة القرآن الكريم قراءة صحيحة وتدبره والتفكر في معانيه وأوامره ونواهيه وتعلم تفسيره وأحكامه ثم العمل به لتفوزوا بسعادة الدنيا والآخرة وفقكم الله لذلك بمنه وكرمه.. آمين. والحمد لله رب العالمين، وصلوات الله وسلامه على خير خلقه وأنبيائه نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
1- القرآن الكريم
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب تبيانًا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين.. وبعد: فإن القرآن الكريم خير كتاب أنزل على أشرف رسول إلى خير أمة أخرجت للناس بأفضل الشرائع وأسمحها وأكملها، وهو كلام الله المنزل على خاتم الأنبياء والمرسلين بواسطة الأمين جبريل عليه السلام، المتلو بالألسنة المحفوظ في الصدور، المكتوب في المصاحف، المنقول إلينا بالتواتر، المتعبد بتلاوته المبدوء بسورة الفاتحة المختتم بسورة الناس قال تعالى: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) [الشعراء: 192-195].أنزله الله تعالى ليكون دستورًا للأمة وهداية للخلق وليكون آية على صدق الرسول وبرهانًا ساطعًا على نبوته ورسالته وحجة قاطعة قائمة إلى يوم الدين: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء: 88] أنزل القرآن ليقرأه المسلم فيثاب عليه بكل حرف عشر حسنات كما جاء في الحديث عن النبي ، أنزل القرآن ليتدبر المسلم آياته ويتفكر في معانيه وأوامره فيمتثلها ونواهيه فيجتنبها وليتذكر ما فيه من الوعد والوعيد والثواب والعقاب قال تعالى: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ [ص: 29].أنزل القرآن ليعلم به المسلم فيحل حلاله ويحرم حرامه ويعمل بمحكمه ويؤمن بمتشابهه ويتلوه حق تلاوته فيكون حجة له عند ربه وشفيعًا له يوم القيامة قال : القرآن حجة لك أو عليك، وقد تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه ألا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة، قال تعالى: مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى [طه: 123]، وقد سماه الله روحًا لتوقف الحياة الحقيقية عليه، ونوارًا لتوقف الهداية عليه قال تعالى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشـاءُ مِنْ عِبَادِنَا[الشورى: 52].
2- أسماء القرآن وأوصافه
للقرآن الكريم أسماء عديدة تدل على رفعة شأنه وعلو مكانته وعلى أنه أشرف كتاب سماوي على الإطلاق: 1- فيسمى القرآن (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ) [البروج: 21]. 2- إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء: 9]، وسمي قرآنا لجمعه الأحكام والقصص والمواعظ والأمثال وغير ذلك. 2- الفرقان( تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) [الفرقان: 1] سمي بذلك لأنه يفرق بين الحق والباطل والهدى والضلال والحلال والحرام. 3- والكتاب: فهو الكتاب على الحقيقة الجامع لما تفرق في غيره (الـم . ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) [البقرة: 1، 2].4- والذكر. وهو التذكرة والشرف (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) [الزخرف. 44] أي وإن القرآن لشرف لك ولقومك. كما وصفه الله تعالى بأوصاف جليلة عديدة منها أنه نور وهدى ورحمة وشفاء وموعظة وعزيز ومبارك وبشير ونذير إلى غير ذلك من الأوصاف التي تشعر بعظمته وقدسيته قال تعالى. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) [يونس: 57](56
3- عدد سور القرآن وآياته وحروفه وكلماته
لقد أقام الله من المسلمين حرسا على كتابه وإن كان غنيًّا بنفسه عن الحراسة لأن الله تكفل بحفظه (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر. 9]. ولكن هكذا اقتضت إرادته فبذل قوم من المسلمين جهودهم وأحصوا سوره وآياته وحروفه وكلماته، وإليك نتيجة ما وصل إليه جهد علماء المسلمين من أمثال هذه الإحصاءات العجيبة.. عدد سور القرآن/114 سورة أولها الفاتحة وآخرها سورة الناس. عدد آياته/6219 آية في قول المكيين و(6236) آية في قول الكوفيين، و(6204) في قول البصريين،و(6226) أو(6225 آية) في قول أهل الشام وسبب هذا الخلاف في بعض مواضع الوقف. عدد كلماته/(77439 كلمة) في قول عطاء بن يسار. عدد حروفه/ (340740) حرفًا. وأجزاؤه ثلاثون جزءا، وأحزابه ستون حزبًا. وقيل: إن الحكمة في تسوير القرآن سورَّا تحقيق كون السورة في مفردها معجزة وآية من آيات الله، ثم ظهرت لذلك حكمة في التعليم وتدريج الأطفال من السور القصار إلى ما فوقها. تيسيرا من الله على عباده لحفظ كتاب.
4- أقسام سور القرآن
قسم العلماء سور القرآن إلى أربعة أقسام.. 1- السبع الطوال، وهي/البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف، واختلف في السابعة أهي الأنفال وبراءة لعدم الفصل بينهما بالبسملة؟ أو هي سورة يونس؟ 2- المئون/ وهي السور التي تزيد آياتها عن مئة آية أو تقاربها. 3- المثاني/وهي التي تلي المئين في عدد الآيات. 4- المفصل/ وهي من سورة الحجرات إلى آخر القرآن، وهو ثلاثة أقسام: طوال المفصل وهو من سورة الحجرات إلى سورة النبأ، وأوساط المفصل من سورة النبأ إلى سورة الضحى وقصار المفصل من سورة الضحى إلى آخر القرآن. عن واثلة بن الأسقع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال .أعطيت مكان التوراة السبع الطوال، وأعطيت مكان الزبور المئين، وأعطيت مكان الإنجيل المثاني وفضلت بالمفصل. رواه الطبراني بإسنادين أحدهما صحيح قال ابن جرير الطبري: وبمثل ما جاءت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسماء السور جاء شعر الشعراء، فقال بعضهم. وبمئين بعدها قد أمئت
حلفت بالسبع اللواتي طولت
وبالطواسين التي قد ثلثت . وبمثان ثنيت فكررت
وبالمفصل اللواتي فصلت
وبالحواميم اللواتي سبعت
وسمي المفصل لكثرة الفصول التي بين السور ببسم الله الرحمن الرحيم.
5- تلاوة القرآن
تستحب قراءة القرآن على أكمل الأحوال متطهرًا، مستقبل القبلة، متحريا بها أفضل الأوقات كالليل وبعد المغرب وبعد الفجر لقوله تعالى/(إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلاً) [المزمل: 6]، وقوله تعالى/(إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) [الإسراء: 78]، وتجوز القراءة قائمًا وقاعدًا ومضجعًا وماشيًا وراكبًا، لقوله تعالى: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ) [آل عمران: 191]؛ فيستحب الإكثار من قراءة القرآن ليلاً ونهارًا وصباحًا ومساءً وثبت حديث: «لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار». والحسد/ الغبطة، والآناء/ الساعات، وقراءة القرآن أفضل من سائر الذكر، ففي الحديث القدسي «من شغله القرآن عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين، وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه». وترتيل القراءة أفضل من السرعة مع تبيين الحروف وأشد تأثيرًا في القلب قال تعالى: (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً)[المزمل: 4] وينبغي تحسين الصوت بالقراءة لقوله (زينوا القرآن بأصواتكم فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنًا).
6- حكم التطريب بقراءة القرآن
هذا وإن شغل القارئ والمستمع باله بالتطريب وهو الترجيع والتمديد ونحو ذلك مما هو مفض إلى تغيير كلام الله الذي أمرنا بتدبره، حائل للقلوب عن مراد الرب من كتابه، قاطع لها عن فهم كلامه فينزه كلام الرب عن ذلك، وكره الإمام أحمد التلحين بالقراءة الذي يشبه الغناء وقال: هي بدعة. ومن أشراط الساعة أن يتخذ القرآن مزامير، قال ابن كثير -رحمه الله- في فضائل القرآن والغرض المطلوب شرعا إنما هو تحسين الصوت الباعث على تدبر القرآن وتفهمه والخضوع والخشوع والانقياد للطاعة فأما الأصوات بالنغمات المحدثة المركبة على الأوزان والأوضاع الملهية والقانون الموسيقائي فالقرآن ينزه عن هذا ويجل ويعظم أن يسلك بأدائه هذا المسلك. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: الألحان التي كره العلماء قراءة القرآن بها هي التي تقتضي قصر الحرف الممدود ومد المقصور وتحريك الساكن وتسكين المتحرك، يفعلون ذلك لموافقة نغمات الأغاني المطربة فإن حصل مع ذلك تغيير نظم القرآن وجعل الحركات حروفا فهو حرام.
7- مقدار القراءة المستحبة
ويستحب ختم القرآن في كل أسبوع يقرأ في كل يوم سبعا من القرآن وفيما دون الأسبوع أحيانًا في الأوقات الفاصلة والأمكنة الفاضلة كرمضان والحرمين الشريفين وعشر ذي الحجة: اغتنامًا للزمان والمكان، وإن قرأ القرآن في كل ثلاثة أيام فحسن لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو «اقرأه في كل ثلاث»ويكره تأخير ختم القرآن عن أربعين يومًا إن خاف نسيانه. قال الإمام أحمد: ما أشد ما جاء فيمن حفظه ثم نسيه( ) ويحرم على المحدث حدثا أصغر أو أكبر مس المصحف لقوله تعالىلا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ) [الواقعة: 79]، وقوله : «لا يمس القرآن إلا طاهر»، ويحرم على الجنب قراءة القرآن حتى يغتسل لحديث: «لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن» رواه أبو داود والترمذي، وقال: هو قول أكثر أهل العلم وقال الأرناؤوط: وهو حسن بشواهده. وضعفه الشيخ عبد العزيز بن باز وأجاز للحائض قراءة القرآن بدون مس المصحف (انظر: فتاوى مجلة الدعوة (1/ 39)).
8- حامل القرآن حامل راية الإسلام
قال الفضيل بن عياض رحمه الله/ «حامل القرآن حامل راية الإسلام لا ينبغي أن يلغو مع من يلغو ولا يسهو مع من يسهو ولا يلهو مع من يلهو تعظيما لله تعالى» ـ. وينبغي لقارئ القرآن العظيم أن ينظر كيف لطف الله بخلقه في إيصال معاني كلامه إلى أفهامهم، وأن يستحضر عظمة المتكلم سبحانه ويتدبر كلامه فإن التدبر هو المقصود من القراءة وينبغي للتالي أن يستوضح من كل آية ما يليق بها ويتفهم ذلك، وإذا تلا أحوال المكذبين فليستشعر الخوف من السطوة إن غفل عن امتثال الأمر، وينبغي لتالي القرآن أن يعلم أنه مقصود بخطاب القرآن ووعيده، فليحذر مخالفته بهوى نفسه، وليقلسَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) حتى يحقق عبوديته لله واستعانته به حين يقول: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة: 5].
9- استماع القرآن
قال الله تعالى:وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأعراف: 204] أمر الله بالاستماع والإنصات لقراءة القرآن ووعد على ذلك الرحمة، وعن أبي هريرة أن رسول الله قال: «من استمع إلى آية من كتاب الله كتبت له حسنة مضاعفة ومن تلاها كانت له نورا يوم القيامة» رواه أحمد.
10- عناية المسلمين الأولين بالقرآن أنزل الله القرآن الكريم على رسوله الأمين ليكون شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، فكان كذلك وكان خلقه القرآن يأتمر بأوامره وينزجر بزواجره ويسارع إلى ما حث عليه ويتأدب بآدابه ويتخلق بأخلاقه، وعلم أصحابه الكرام ألفاظ القرآن ومعانيه فكان همهم حفظ القرآن وتلاوته وتنفيذ أوامره وتطبيق أحكامه، وكانوا يتسابقون إلى دراسته وتفهمه، ولقد بلغ من عنايتهم بالقرآن أنهم كانوا يجعلون مهر الزوجة سورًا من القرآن، وكانوا يقومون به الليل كما وصفهم الله بقوله: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا) [السجدة: 16]، كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات: 17، 18]. كان المار ببيوتهم في غسق الليل يسمع دويًّا كدويِّ النحل من تلاوتهم للقرآن ومن بكائهم لكثرة تدبرهم لمعانيه وتأثرهم به، وقد اعتنى الصحابة، رضي الله عنهم كل العناية بالقرآن حفظًا وكتابة وتلاوة ورواية، كانوا يحكمون ويتحاكمون إلى القرآن ويتأدبون ويؤدبون أولادهم بآداب القرآن، وبالقرآن دخل الناس في دين الله أفواجًا وبالقرآن فتحوا البلاد، ودانت لهم رقاب العباد ومكنهم الله في الأرض وانتصروا على الأعداء، وكان في مقدمتهم الخلفاء الراشدون والأئمة المهديون في القرون الثلاثة المفضلة وسار على نهجهم العلماء العاملون وأئمة العدل وولاته إلى يومنا هذا، ولا تزال طائفة من هذه الأمة على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم إلى يوم القيامة، نسأل الله تعالى أن يجعلنا منهم وألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا وأن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم( ).
11- من فضائل القرآن
من فضائل القرآن أنه يشفع يوم القيامة لمن قرأه وعمل به في الدنيا، قال «اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه» رواه مسلم وقال : «يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران تحاجان عن صاحبهما» رواه مسلم. وخير الناس هم الذين تعلموا القرآن وعلموه لوجه الله قال : «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» رواه البخاري، وعن أبي هريرة عن النبي قال: «يجيء القرآن يوم القيامة يقول: يا رب حله، فيلبس تاج الكرامة، ثم يقول: يا رب زده فيلبس حلة الكرامة ثم يقول: يا رب ارض عنه فيرضى عنه، فيقال: اقرأ وارق فيزاد بكل آية حسنة» رواه الترمذي، وقال: حديث حسن. وعن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله : «من قرأ القرآن فاستظهره فأحل حلاله وحرم حرامه؛ أدخله الله به الجنة وشفعه في عشرة من أهل بيته كلهم قد وجبت لهم النار» أخرجه الترمذي، ومعنى استظهره، حفظه عن ظهر قلب.
12- الآباء المتوجون عن سهل بن معاذ الجهني أن رسول الله قال: «من قرأ القرآن وعمل به ألبس والداه تاجا يوم القيامة ضوءه أحسن من ضوء الشمس في بيوت الدنيا فما ظنكم بالذي عمل بهذا» أخرجه أبو داود والحاكم وقال: صحيح الإسناد. فضل الاجتماع لقراءة القرآن ومدارسته في المساجد: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : «ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده» رواه مسلم. وعن أنس قال: كانوا إذا صلوا الغداة قعدوا حلقا حلقا يقرءون القرآن ويتعلمون الفرائض والسنن ويذكرون الله تعالى، ومدارسة القرآن لها معنيان، أحدهما: أن تقرأ ما قرأه زميلك والثاني: أن تقرأ ما بعده، والأولى أفضل لأنها طريقة مدارسة النبي مع جبريل عليه السلام، وقد وعد الله المجتمعين لمدارسة القرآن في المساجد على لسان رسوله أربعة أنواع من الكرامات: أحدها: نزول السكينة، الثانية: غشيان الرحمة، الثالثة: حفوف الملائكة بهم، الرابعة: ذكر الله لهم عند ملائكته وثناؤه عليهم فهنيئًا لهم بذلك.
13- من آداب قارئ القرآن لتلاوة القرآن آداب ينبغي مراعاتها لتكون القراءة مقبولة مثابًا عليها فمنها: 1- أن يخلص لله في قراءته بأن يقصد بها رضى الله وثوابه وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة: 5]. 2- أن يتطهر من الحدث الأكبر والأصغر لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ [الواقعة: 79]. 3- أن يصون يديه حال قراءته عن العبث وعينيه عن تفريق نظرهما من غير حاجة. 4- أن يستاك فيطيب فمه لأنه طريق القرآن 5- الأفضل أن يستقبل القبلة عند قراءته لأنها أشرف الجهات. 6- أن يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم. 7- أن يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم إذا بدأ من أول السورة. 8- أن يرتل القرآن فيقرؤه على تؤدة وتمهل لأن المقصود بالقراءة التدبر ولا يحصل مع السرعة. 9- أن يستعمل فيه ذهنه وفهمه حتى يعقل ما يخاطب به. 10- أن يسأل الله عند آية الرحمة ويتعوذ عند آية العذاب ويسبح عند آية التسبيح ويسجد إذا مر بسجدة. 11- أن يؤدي لكل حرف حقه من الأداء حتى يبرز الكلام باللفظ تماما فإن له بكل حرف عشر حسنات. 12- أن يلازم الخشوع والسكينة والوقار عند تلاوته. 13- أن يقرأ القرآن على قواعد التجويد: قال الشاعر: من لم يجود القرآن آثم (الأخذ بالتجويد فرض لازم)
14- عدم التعليق على القراءة بعبارات من عنده كقول بعضهم: الله الله، أو أعد أعد، أو نحو ذلك، وكل ما يطلب من مستمع القرآن وهو التدبر والإنصات والخشوع. 15- عدم قطع القراءة بكلام لا فائدة فيه. 16- أن يتعاهد القرآن بالمواظبة على قراءته وعدم تعريضه للنسيان، وينبغي ألا يمضي عليه يوم إلا ويقرأ فيه شيئا من القرآن حتى لا ينساه ولا يهجر المصحف ويحسن ألا ينقص عن قراءة جزء من القرآن في كل يوم وأن يختمه في كل شهر على الأقل. 17- أن يحسن صوته بالقرآن ما استطاع ففي الحديث «زينوا القرآن بأصواتكم» رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والدارمي وصححه الألباني. 18- يجب الاستماع والإنصات لقراءة القرآن لقوله تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الأعراف: 204].
19- أن يحترم المصحف فلا يضعه على الأرض، ولا يضع فوقه شيئا ولا يرمي به لصاحبه إذا أراد أن يناوله إياه ولا يمسه إلا وهو طاهر قال تعالى: فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ [عبس: 13، 14]. 20- ينبغي الاجتماع والدعاء عند ختم القرآن فإنه مستجاب. 21- ينبغي أن يختم في الشتاء أول الليل وفي الصيف أول النهار والحكمة في ذلك: ما ورد أنه إذا ختم أول الليل صلت عليه الملائكة حتى يصبح وإذا ختم أول النهار صلت عليه الملائكة حتى يمسي( ).
14- القرآن الكريم (كلية الشريعة) قال الشاطبي: قد تقرر أن الكتاب العزيز كلية الشريعة وعمدة الملة وينبوع الحكمة، وآية الرسالة ونور الأبصار والبصائر وأنه لا طريق إلا الله سواه ولا نجاة بغيره ولا تمسك بشيء يخالفه وإذا كان كذلك لزم ضرورة لمن رام الاطلاع على كليات الشريعة وطمع في إدراك مقاصدها واللحاق بأهلها أن يتخذه سميره وأنيسه وأن يجعله على مر الأيام والليالي نظرًا وعملاً فيوشك أن يفوز بالبغية وأن يظفر بالطلبة وأن يجد نفسه في السابقين، والرعيل الأول فإن كان قادرا على ذلك ولا يقدر عليه إلا من زاول ما يعينه على ذلك من السنة البينة للكتاب وإلا فكلام الأئمة السابقين والسلف المتقدمين أخذ بيده في هذا المقصد الشريف والرتبة المنيفة( ).
15- في القرآن الكريم بيان كل شيء
القرآن الكريم فيه بيان كل شيء، فالعالم به على التحقيق عالم بجملة الشريعة والدليل على ذلك أمور منها النصوص القرآنية مثل قول تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) [المائدة: 3] وقوله: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ [النحل: 89] وقوله: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام: 38] وقوله: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء: 9] يعني: الطريقة المستقيمة ولو لم يكن فيه جميع معانيها لما صح إطلاق هذا المعنى عليه حقيقة وأشباه ذلك من الآيات الدالة على أنه هدى وشفاء لما في الصدور ولا يكون شفاء لجميع ما في الصدور إلا وفيه تبيان كل شيء ومنها ما جاء من الأحاديث والآثار المؤذنة بذلك. كقوله عليه الصلاة والسلام: «إن هذا القرآن حبل الله وهو النور المبين، والشفاء النافع عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن اتبعه لا يعوج فيقوم، ولا يزيغ فيستعتب ولا تنقضي عجائبه ولا يخلق من كثرة الرد» الحديث، فكونه حبل الله بإطلاق والشفاء النافع دليل على كمال الأمر فيه، وفي الحديث: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله» وما ذاك إلا أنه أعلم بأحكام الله فالعالم بالقرآن عالم بجملة الشريعة وعن عائشة: «من قرأ القرآن فليس فوقه أحد» وعن عبد الله بن مسعود قال: «إذا أردتم العلم فعليكم بالقرآن فإن فيه علم الأولين والآخرين» وعن عبد الله بن عمر: «من جمع القرآن؛ فقد حمل أمرًا عظيمًا»( ).
16- إعجاز القرآن المعجزة أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي سالم عن المعارضة، والإعجاز في اللغة العربية معناه نسبة العجز إلى الغير وإثباته له والقرآن الكريم أعجز الناس عن أن يأتوا بمثله أو بعشر سور مثله أو بسورة مثله أو بحديث مثله (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) [الإسراء: 88].
17- أوجه إعجاز القرآن
1- النظم البديع المخالف لكل نظم معهود في لسان العرب. 2- الأسلوب العجيب المخالف لجميع الأساليب العربية. 3- الجزالة التي لا يمكن لمخلوق أن يأتي بمثلها. 4- التشريع الدقيق الكامل الذي يفي بحاجات البشر. 5- الإخبار عن المغيبات الماضية والمستقبلة، التي لا تعرف إلا بالوحي. 6- الوفاء بكل ما أخبر عنه القرآن من وعد ووعيد. 7- عجز المخلوقين عن أن يأتوا بمثله. 8- كونه محفوظًا من الزيادة والنقصان ومن التبديل والتغيير (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر: 9].9- تيسيره للحفظ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر: 17]. 10- تأثيره في قلوب الأتباع والأعداء حتى قال قائلهم( )، «والله إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أسفله لمغدق وإن أعلاه لمثمر وإنه ليعلو وما يعلى عليه وما تقوله بشر». 11- كونه لا يمله قارئه ولا سامعه على كثرة الترديد بخلاف سائر الكلام( ). والقرآن أولاً وآخرًا هو الذي صير العرب رعاة الشاء والغنم ساسة شعوب وقادة أمم، وهذا وحده إعجاز، والقرآن الكريم هو أساس الدين ومصدر التشريع وحجة الله البالغة في كل عصر ومصر، بلغه رسول الله لأمته امتثالاً لأمر ربه واحتوى القرآن على الأمر الصريح بوجوب اتباعه والعمل بما تضمنه من الأحكام في غير موضع وبغير أسلوب اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ [الأعراف: 3] اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ [العنكبوت: 45].
18- شعب الحياة التي تناولها القرآن ببيان أحكامها
احتوى القرآن الكريم على كثير من نواحي الحياة المختلفة من ذلك ما يأتي: 1- العقائد التي يجب الإيمان بها في الله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وهي الحد الفاصل بين الإيمان والكفر. 2- الإرشاد إلى النظر والتفكر في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء لتعرف أسرار الله في كونه وإبداعه في خلقه فتمتلئ القلوب إيمانا بعظمته عن نظر واستدلال لا عن تقليد ومجاورة. 3- قصص الأولين أفرادا وأمما، فقد ورد في القرآن كثير من القصص الذي يثير الاعتبار والاتعاظ ويرشد إلى سنن الله في خلقه نجاة للصالحين وهلاكا للمفسدين. 4- الأخلاق الفاضلة التي تهذب النفوس وتصلح من شأن الفرد والجماعة كالصبر والصدق والوفاء وأداء الأمانة مع التحذير من الأخلاق السيئة التي تودي بمعاني الحياة الإنسانية الفاضلة وتسبب لها الشقاء كالكذب والخيانة وإخلاف الوعد ونقض العهد. 5- العبادات على اختلاف أنواعها من صلاة وزكاة وصوم وحج وجهاد وجاء في ذلك ما يقرب من مائة وأربعين آية. 6- نظام الأسرة كأحكام الزواج والطلاق وما يتبعها من مهر ونفقة وحضانة ورضاع ونسب وعدة ووصية وإرث، وجاء في ذلك ما يقرب من سبعين آية. 7- أحكام المعاملات المالية كالبيع والإجارة والرهن والمداينة والتجارة، جاء في ذلك ما يقرب من سبعين آية أيضا. 8- أحكام الجنايات والحدود والسرقة والزنا والقذف ومحاربة الله في أرضه وجاء في ذلك ما يقرب من ثلاثين آية. 9- أحكام الحرب والسلم وما يتبع ذلك من جهاد وغنيمة وأسر وعهود وجزية. 10- نظام الحكم فيما يجب على الحكام من الشورى والعدل والمساواة والحكم بما أنزل الله وما يجب على الناس لهم من طاعة. 11- تنظيم الحياة الاجتماعية في علاقة الأغنياء بالفقراء فيما يحقق العدل الاجتماعي بين الناس، ولم يتفق العلماء على عدد آيات الأحكام وقيل إنها: خمس مائة آية أو قريب منها والله سبحانه وتعالى أعلم.
19- المعاني والعلوم المستنبطة من القرآن قال «إنها ستكون فتنة» قيل: وما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: «كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم» أخرجه الترمذي، وورد في الحديث ما معناه: أن القرآن اشتمل على ذكر الحلال والحرام والمحكم والمتشابه والأمثال، فأحلوا حلاله وحرموا حرامه، وعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه واعتبروا بأمثاله، وقال بعضهم: اشتمل القرآن على تسعة أشياء: سأنبئكما في بيت شعر بلا خلل فقال: لا إنما القرآن تسعة أحرف
بشير نذير عظة قصة مثل حلال حرام محكم متشابه
وأصل علوم القرآن ثلاثة: توحيد وتذكير وأحكام، فالتوحيد يدخل فيه معرفة المخلوقات ومعرفة الخالق بأسمائه وصفاته وأفعاله، والتذكير منه الوعد والوعيد والجنة والنار. والأحكام منها التكاليف كلها وتبيين المنافع والمضار والأمر والنهي والندب، ولهذا كانت الفاتحة أم القرآن لأن فيها الأقسام الثلاثة، وسورة الإخلاص ثلثه لأن فيها أحد الأقسام وهو التوحيد( ). وقال ابن جزي في مقدمة تفسيره: معاني القرآن سبعة: 1- علم الربوبية، ومنه إثبات وجود الباري جل جلاله والاستدلال عليه بمخلوقاته. 2- والنبوة وإثبات نبوة الأنبياء عليهم السلام على العموم وإثبات نبوة نبينا محمد على الخصوص وإثبات الكتب التي أنزلها الله عليهم ووجود الملائكة الذين كانوا وسائط بين الله وبينهم. 3- المعاد: وهو إثبات الحشر وذكر ما في الآخرة من الحساب والجزاء وصحائف الأعمال وكثرة الأهوال والجنة والنار. 4- الأحكام: وهي الأوامر والنواهي وتنقسم خمسة أنواع، واجب ومندوب وحرام ومكروه ومباح، ومنها ما يتعلق بالأبدان كالصلاة والصيام، وما يتعلق بالأموال كالزكاة وما يتعلق بالقلوب كالإخلاص والخوف والرجاء وغير ذلك. 5- الوعد: ومنه وعد بخير الدنيا كالنصر على الأعداء والحياة الطيبة والأمن والاستقرار ومنه وعد بخير الآخرة كأوصاف الجنة ونعيمها. 6- الوعيد: ومنه تخويف بالعقاب في الدنيا كالخوف والمرض والجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات، ومنه وعيد، بعقاب الآخرة كعذاب القبر، وأهوال يوم القيامة، وشدة الحساب، ودخول النار، وتأمل القرآن تجد الوعد مقرونا بالوعيد كقوله: (إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) [الانفطار: 13، 14] ليبعث على الخوف والرجاء. 7- القصص: وذكر أخبار الأنبياء مع قومهم وماجرى لهم من نجاة المصدقين وهلاك المكذبين ليعتبر اللاحقون بالسابقين فلا يعملون مثل عملهم فيصيبهم ما أصابهم( ).
20- تفسير القرآن وشرفه
التفسير كشف معاني القرآن وبيان المراد منه وهو أجل العلوم الشرعية وأشرف صناعة يتعاطاها الإنسان وأرفعها قدرا وهو أشرف العلوم موضوعا وغرضا وحاجة إليه لأن موضوعه كلام الله الذي هو ينبوع كل حكمة ومعدن كل فضيلة، ولأن الغرض منه هو الاعتصام بالعروة الوثقى والوصول إلى السعادة الحقيقية وإنما اشتدت الحاجة إليه لأن كل كمال ديني أو دنيوي لا بد وأن يكون موافقا للشرع وموافقته تتوقف على العلم بكتاب الله تعالى ويجب أن يعلم أن النبي بين للأمة معاني القرآن كما بين ألفاظه كما قال تعالى: لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل: 44] وكانوا إذا تعلموا عشر آيات من النبي لم يتجاوزوها حتى يعلموا ما فيها من العلم والعمل قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا. والعادة تمنع من أن يقرأ قوم كتابا في فن من الفنون كالطب والحساب ولا يعرفون معناه، فكيف بكلام الله الذي هو عصمتهم وبه نجاتهم وسعادتهم وقيام دينهم ودنياهم، وعن سعيد بن جبيرن قال: من قرأ القرآن ثم لم يفسره كان كالأعمى أو الأعرابي، رواه ابن جرير، وحاجة المسلم ماسة إلى فهم القرآن الذي هو حبل الله المتين والذكر الحكيم والصراط المستقيم. ومن المعلوم أن كل كلام فالمقصود منه فهم معانيه دون مجرد ألفاظه، فالقرآن أولى بذلك انظر مقدمة أصول التفسير لابن تيمية 6، 7. وقال القرطبي: ينبغي له أن يتعلم أحكام القرآن فيفهم عن الله مراده وما فرض عليه فينتفع بما يقرأ ويعمل بما يتلو، فما أقبح بحامل القرآن أن يتلو فرائضه وأحكامه وهو لا يفهم معنى ما يتلوه( ). فكيف يعمل بما لا يفهم معناه، ما أقبح أن يسأل عن فقه ما يتلوه وهو لا يدريه، فما مثل من هذه حالته إلا كمثل الحمار يحمل أسفاراوقد ذم الله من هذه حاله بقوله: (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ) [البقرة: 78].وأقرب التفاسير تناولا: تفسير الجلالين، حيث يذكر معنى الكلمة وأسباب النزول والقراءات باختصار، إلا أنه قد يخطئ في تفسير صفات الله تعالى مثل المجيء والنزول وغيرهما حيث يفسرها على طريقة الأشاعرة، ومن أراد التوسع والتحقيق فعليه بتفسير الإمام ابن كثير فإنه تفسير سلفي ممتاز، وتفسير ابن سعدي ثم تفسير الطبري، والقرطبي، فإنهما من أمهات التفاسير الصحيحة المعتبرة، وكذلك تفسير البغوي وابن الجوزي وفتح القدير للشوكاني، وحاشية الجمل على الجلالين فإنه مجموع من عدة تفاسير، وأيسر التفاسير للجزائري.
21- أحسن طرق التفسير
قال العلماء: وأحسن طرق التفسير: أن يفسر القرآن بالقرآن فما أجمل في موضع فقد بسط في موضع آخر، فإن لم نجد تفسير الآية من القرآن طلبناه من السنة فإنها شارحة للقرآن وموضحة له، فإن لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنة رجعنا إلى أقوال الصحابة، فإنهم أدرى بذلك من غيرهم لما اختصوا به من القرائن والأحوال عند نزوله ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح والعمل الصالح وخصوصًا كبراؤهم كالخلفاء الأربعة الراشدين وابن عباس وابن مسعود فإن لم يوجد التفسير في كلامهم رجعنا إلى أقوال التابعين الذين أخذوا العلم عن الصحابة وإلى اللغة العربية التي نزل بها القرآن. قال ابن عباس: التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرف العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله، فمن ادعى علمه فهو كاذب، اهـ رواه ابن جرير (1/ 75) وانظر مقدمة تفسير ابن كثير (3، 4). ويحرم التفسير بمجرد الرأي قال تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الأعراف: 32] وفي الحديث: «من قال في القرآن برأيه أو بما لا يعلم فليتبوأ مقعده من النار، وأخطأ ولو أصاب» رواه أبو داود والنسائي والترمذي وحسنه.
22- ما امتاز به القرآن على غيره من الكتب
امتاز القرآن الكريم بأنه هو المهيمن المؤتمن الشاهد على ما قبله من الكتب وهو أعلى منها درجة فإنه قرر ما فيها من الخير عن الله وعن اليوم الآخر وزاد ذلك بيانا وتفصيلا وبين الأدلة والبراهين على ذلك وقرر نبوة الأنبياء كلهم ورسالة المرسلين، وقرر الشرائع الكلية التي بعث بها الرسل وجادل المكذبين بالكتب والرسل بأنواع الحجج والبراهين، وبين عقوبات الله لهم ونصره لأهل الكتب المتبعين له، وبين ما حرف منها وبدل وما فعله أهل الكتاب في الكتب المتقدمة. وبين أيضا ما كتموه مما أمر الله ببيانه، وكل ما جاءت به النبوات بأحسن الشرائع والمناهج التي نزل بها القرآن فصارت له الهيمنة على ما قبله من الكتب من وجوه متعددة، فهو شاهد بصدقها، وشاهد بكذب ما حرف منها وهو حاكم بإقرار ما أقره الله. ونسخ ما نسخه فهو شاهد في الخبريات حاكم في الأمريات، وكذلك معنى الشهادة والحكم يتضمن إثبات ما أثبته الله من صدق ومحكم وإبطال ما أبطله من كذب ومنسوخ ثم إنه معجز في نفسه لا يقدر الخلائق أن يأتوا بمثله ففيه دعوة الرسول وهداية الرسول وبرهانه وصدقه ونبوته وفيه ما جاء به الرسول، وفيه أيضًا من ضرب الأمثال وبيان الآيات على تفصيل ما جاء به الرسول، وجمع إليه علوم جميع العلماء ولم يكن عندهم إلا بعض ما جاء به القرآن، ومن تأمل ما تكلم به الأولون والآخرون من أصناف العلماء في أصناف العلوم والفنون ولم يجد عندهم إلا بعض ما جاء به القرآن. ولهذا لم تحتج الأمة مع رسولها وكتابها إلى نبي آخر، ولا كتاب آخر فضلا عن أن تحتاج إلى شيء لا يستقل بنفسه غيره سواء كان من علوم النقل أو من علوم العقل، ولله الحمد. وكلام الله يتفاضل وصفاته تتفاضل، وعلى هذا تدل النصوص الكثيرة. وإنما كانت «قل هو الله أحد» تعادل ثلث القرآن لأن معاني القرآن ثلاثة توحيد قصص وأحكام، وهذه السورة صفة الرحمن فيها التوحيد وحده. ومما ينبغي أن يعلم أن فضل القراءة والذكر والدعاء والصلاة وغير ذلك تختلف باختلاف حال الرجل، فالقراءة بتدبر أفضل من القراءة بلا تدبر، والصلاة بخشوع وحضور قلب أفضل من الصلاة بدون ذلك( ) والمطلوب من القارئ للقرآن هو فهم معانيه والعمل به، فإن لم تكن هذه همة حافظ لم يكن من أهل العلم والدين( ).
23- من كنوز القرآن
قال ابن القيم في بدائع الفوائد: إذا تأملت القرآن وتدبرته وأعرته فكرا وافيا اطلعت فيه من أسرار المناظرات وتقرير الحجج الصحيحة وإبطال الشبه الفاسدة وذكر النقض والفرق والمعارضة والمنع على ما يشفي ويكفي لمن بصره الله وأنعم عليه بفهم كتابه.
24- الانتفاع بالقرآن
قال ابن القيم في الفوائد: إذا أردت الانتفاع بالقرآن فأجمع قلبك عند تلاوته وسماعه، وألق سمعك واحضر حضور من يخاطبه من يتكلم به منه إليه فإنه خطاب منه لك على لسان رسوله قال تعالىإِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) [ق: 37]. لو جاءك خطاب من ملك من ملوك الدنيا يأمرك فيه وينهاك لم يستقر لك قرار ولم يهدأ لك بال حتى تقرأه وتفهمه وتنفذ ما فيه فكيف بكلام الله ملك الملوك الذي تضمن أسباب السعادة والشقاوة الذي لو نزل على الأرض لقطعها أو على الجبال لصدعها؟ لا تهتم به ولا تحرص على قراءته وفهم معانيه، فانتبه لذلك وفقك الله
25- هجر القرآن
هجر القرآن أنواع: هجر قراءته، وهجر سماعه والإيمان به وهجر تدبره،وهجر العمل به، وهجر تحكيمه ، وهجر الاستشفاء به من أمراض القلوب وأمراض الأبدان، فمن لم يقرأ القرآن فقد هجره، ومن قرأه ولم يفهم معناه فقد هجره، ومن قرأه وفهم معناه ولم يعمل به فقد هجره كل هذا داخل في قوله تعالى: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) [الفرقان: 30].
26- النصيحة لكتاب الله
قال: «الدين النصيحة.. لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» رواه مسلم، والنصيحة لكتاب الله تعالى الإيمان بأنه كلام الله تعالى ووحيه وتنزيله لا يشبهه شيء من كلام الناس وتعظيمه ومحبته وتلاوته وتفهم علومه وأمثاله وعلم حلاله وحرامه،وتبجيل أهله وحفاظه والعمل بما فيه الدعوة إلى ذلك قال : «من قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن عمل به أجر، ومن دعى إليه هدي إلى صراط مستقيم» رواه الترمذي
27- القرآن في الشعر
قال الشاعر: يلين قلبًا قاسيًا مثل جلمد
وواظب على درس القرآن فإنه
*** وكتابه أقوى وأقوم قيلاً الله أكبر إن دين محمد
طلع الصباح فأطفئ القنديلا لا تذكر الكتب السوالف عنده
*** وجئتنا بكتاب غير منصرم جاء النبيون بالآيات فانصرمت
يزينهن جمال العتق والقدم آياته كلما طال المد جدد
*** في ظلمة الليل نغمة القارئ أحسن من قينة ومزمار
بحسن صوت ودمعه جاري يا حسنة والجليل يسمعه
وقال العلامة الصنعاني: سوى عزلة فيها الجليس كتاب فلم يبق للراجي سلامة دينه
حواه من العلم الشريف صواب كتاب حوى كل العلوم وكلما
ترى آدم إذا كان وهو تراب فإن رمت تاريخًا رأيت عجائب
يواريه لما أن أراه غراب ولاقيت هابيل قتيل شقيقه
على الأرض من ماء السحاب عباب وتنظر نوحا وهو في الفلك قد طغى
وما قال كل منهم وأجابوا وإن شئت كل الأنبياء قومهم
وأكثرهم قد كذبوه وخابوا ترى كل من تهوى ففي القوم مؤمن
ونار بها للمشركين عذاب وجنات عدن حورها ونعيمها
لكل شقي قد حواه عقاب فتلك لأرباب التقى وهذه
فإن دموع العين عنه جواب وإن ترد الوعظ الذي إن عقلته
فللروح منه مطعم وشراب تجده وما تهواه من كل مطلب
تريد فما تدعو إليه تجاب وإن رمت إبراز الأدلة في الذي
بها قطعت للملحدين رقاب تدل على التوحيد فيه قواطع
فوالله ما عنه ينوب كتاب وفيه الدواء من كل داء فثق به
وليس عليه للذكي حجاب وما مطلب إلا فيه دليله
مفاوز جهل كلها وشعاب يريك صراطًا مستقيمًا وغيره
فألفاظه مهما تلوت عذب يزيد على مر الجلديدين جده
وفيه علوم جمة وثواب وفيه هدى للعالمين ورحمة
تدر عليكم بالعلوم سحاب( ) أطيلوا على السبع الطوال وقوفكم
ألوفًا تجد ما ضاع عنه سحاب وكم من ألوف في المئين( ) فكن به
يطيب لها نشر ويفتح باب وفي طيء أثناء المثاني( ) نفائس
أصولا إليها للذكي مآب وكم من فصول في المفصل( )قد حوت
يحبك سريعا ما عليه حجاب( ) سليمان قد أعطاه فهما فناد
فتلك إلى حسن الختام مآب( ) سل منه توفيقا ولطفا ورحمة
***
ما ينبغي لحامل القرآن
قال ابن مسعود رضي الله عنه: ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون وبنهاره إذا الناس مفطرون وبحزنه إذا الناس يفرحون، وببكائه إذا الناس يضحكون وبصمته إذا الناس يخوضون، وبخشوعه إذا الناس يختالون ولا ينبغي أن يكون جافيا، ولا غافلا ولا صخابا ولا حديدا( ). وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
29- الوصية بكتاب الله
للشيخ حافظ بن أحمد الحكمي رحمه الله تعالى: الله لا سيما في حندس الظلم
وبالتدبر والترتيل فاتل كتاب
حلاَّ وحظرًا وما قد حده أقم
حكم براهينه واعمل بمحكمه
تخض برأيك واحذر بطش منتقم
واطلب معانيه بالنقل الصريح ولا
والأمر منه بلا ترداد فالتزم
وعن مناهيه كن يا صاح منزجرا
كأنما خاطب الرحمن بالكلم
هو الكتاب الذي من قام يقرؤه
الميزان والعروة الوثقى لمعتصم
هو الصراط هو الحبل المتين هو
التفصيل فاقنع به في كل منبهم
هو البيان هو الذكر الحكيم هو
هو المواعظ والبشرى لغير عمي
هو البصائر والذكرى لمدكر
وهو الشفاء لما في القلب من سقم
هو المنزل نورًا بينًا وهدى
خير الإمام إلى الفردوس والنعم
فمن يقمه يكن يوم المعاد له
ظلاًّ لتاليهما في الموقف الغمم( )
وقد أتى النص في الطوالين أنهما
مبشرًا وحجيجًا عنه إن يقم
وأنه في غد يأتي لصاحبه
تاج الوقار الإله الحق ذو الكرم
والملك والخلد يعطيه ويلبسه
جنان كي تنتهي للمنزل النعم
يقال: اقرأ ورتل وارق في غرف الـ
لوالديه لهما الأكوان لم تقم
وحلتان من الفردوس قد كسيت
أقرأتما ابنكما فاشكرا لذي النعم
قالا: بماذا كسيناهما؟ فقيل: بما
دامت لدينا دواما غير منصرم
كفى وحسبك بالقرآن معجزة
مصدقا جاء للتنزيل في القدم
مهيمنا عربيا غير ذي عوج
عما سيأتي وعن ماض من الأمم
فيه التفاصيل للأحكام مع نبأ
وانظر لما قص عن عاد وعن إرم
فانظر قوارع آيات المعاد به
ترى بها من عويص غير منفصم
وانظر به شرح أحكام الشريعة هل
أم باب هلك لم يزجر ولم يلم؟
أم من صلاح ولم يهد الأنام له
جميع ما عند أهل الأرض من نظم؟
أم كان يغني نقيرًا عن هدايته
أن بادروا نذرا منهم لقومهم
لم تلبث الجن إذ أصغت لتسمعه،
ومن بيان وإعجاز ومن حكم
الله أكبر ما قد حاز من عبر
وحسن تركيبه للعرب والعجم
والله أكبر إذ أعيت بلاغته
محمد خير رسل الله كلهم( )
ثم الصلاة على المعصوم من خطأ
30- هداية القرآن للتي هي أقوم
قال الله تعالى: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) [الإسراء: 9] ما أعظم هذه القاعدة، وما أحكم هذا الأصل العظيم الذي نص نصًّا صريحًا على عموم هداية القرآن وعدم تقييد هذه الهداية بحال من الأحوال؟ فكل حالة هي أقوم في العقائد والأخلاق والأعمال والسياسات والصناعات والأعمال الدينية والدنيوية، فإن القرآن يهدي لها ويرشد إليها ويأمر بها ويحث عليها ومعنى (أَقْوَمُ )أصلح وأكمل استقامة وأعظم قياما وصلاحا للأمور. فأما عقائد القرآن فهي العقائد النافعة التي فيها صلاح القلوب وحياتها وكمالها فإنها تملأ القلوب عزة وكرامة بشعورها بالتجرد من الذل ولمخلوق مثلها وشرفها بتخصصها لمحبة الله تعظيمًا له وتألهًا وتعبدًا وإنابة وهذا المعنى هو الذي أوجد الله الخلق لأجله. وأما أخلاق القرآن التي يدعو إليها فإنه يدعو إلى التحلي بكل خلق جميل من الصبر والحلم والعفو والأدب وحسن الخلق مع الله ومع الخلق وجميع مكارم الأخلاق، ويحث عليها بكل طريق ويؤلف القلوب ويجمع المتفرق، وأما الأعمال الدينية التي يهدي إليها فهي أحسن الأعمال التي فيها القيام بحقوق الله وحقوق عباده على أكمل الحالات وأجلها وأسهلها وأوصلها إلى المقاصد. وأما السياسات الدينية والدنيوية فهو يرشد إلى سلوك الطرق النافعة في تحصيل المقاصد والمصالح الكلية وفي دفع المفاسد، ويأمر بالتشاور على ما لم تتضح مصلحته والعمل بما تقتضيه المصلحة في كل وقت بما يناسب الحال حتى في سياسة الوالد مع ولده وزوجه وأهله وخادمه وأصحابه ومعامليه فكل مصلحة يتفق العقلاء أنها أقوم وأصلح من غيرها، فإن القرآن يرشد إليها نصا أو ظاهرا أو دخولا تحت قاعدة من قواعده الكلية وكل التفاصيل الواردة في الكتاب والسنة وما تقتضيه المصالح تفصيلا لهذا الأصل المحيط، وبهذا وغيره يتبين لك أنه لا يمكن أن يرد علم صحيح أو معنى نافع أو طريق صلاح يرده القرآن( ). ومما ينبغي لصاحب القرآن: أن يخلص في طلبه لله عز وجل وأن يأخذ نفسه بقراءة القرآن ليله ونهاره في الصلاة وغيرها لئلا ينساه، وينبغي أن يكون لله حامدا ولنعمه شاكرًا، وله ذاكرا وعليه متوكلاً وبه مستعينًا وإليه راغبًا وبه معتصمًا وللموت ذاكرًا وله مستعدًا. وينبغي أن يكون خائفًا من ذنبه راجيًا عفو رب